أوضح الكاتب الدكتور رمزي بارود أن الجملة التي نطق بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مقابلة مع قناة فوكس نيوز يوم 9 أكتوبر – حين قال مخاطباً بنيامين نتنياهو: "إسرائيل لا تستطيع أن تحارب العالم، بيبي" – تكشف الدافع الحقيقي وراء قبول إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة، بعد حرب إبادة استمرت عامين وأسفرت عن مقتل وإصابة نحو ربع مليون فلسطيني. بحسب الكاتب، لم يكن تصريح ترامب مجرد توبيخ سياسي، بل إقرار بأن تل أبيب فقدت شرعيتها الأخلاقية والسياسية أمام العالم كله.
ذكرت ميدل إيست مونيتور أن ترامب أشار إلى أن إسرائيل تواجه عزلة غير مسبوقة، ليس فقط من خصومها، بل من حلفائها أيضاً. الغضب العالمي لم يقتصر على الشعوب التي خرجت في مظاهرات ضخمة ضد الحرب، بل امتد إلى حكومات فرضت عقوبات رسمية على تل أبيب مثل إسبانيا، ومحاكم دولية فتحت ملفاتها للتحقيق في جرائمها في غزة، إضافة إلى تصاعد حملات المقاطعة وتسيير القوافل البحرية التضامنية. بالنسبة لواشنطن وتل أبيب، أدّت هذه التحولات إلى إدراك أن ميزان القوة العالمي لم يعد لصالح إسرائيل كما كان.
يرى بارود أن هذه اللحظة التاريخية قد تُسجَّل كنقطة تحول في نظرة العالم إلى الاحتلال الإسرائيلي، إذ بدأت حركة تضامن عالمية تتبلور لتشكّل سلاحاً استراتيجياً جديداً بيد الفلسطينيين، قادراً على عزل إسرائيل تماماً. لكن الأخطر بالنسبة لنتنياهو، بحسب الكاتب، ليس فقدان دعم العالم فحسب، بل تآكل القاعدة الأمريكية التي طالما حمت إسرائيل. لعقود طويلة، موّلت الولايات المتحدة كل حرب إسرائيلية، وغضّت الطرف عن الاستيطان، وعطّلت كل قرار دولي يدعو للمساءلة، تحت مظلة “القيم المشتركة” و”التحالف الأبدي”.
غير أن تلك الصورة بدأت تتصدّع. فالأصوات المعارضة داخل الولايات المتحدة، التي كانت تُعتبر يوماً هامشية، تحوّلت إلى تيار شعبي مؤثر، خاصة داخل الحزب الديمقراطي. أظهر استطلاع لمعهد “جالوب” في مارس 2025 أن 59٪ من الناخبين الديمقراطيين باتوا يتعاطفون مع الفلسطينيين، مقابل 21٪ فقط مع الإسرائيليين. هذا التحول الجذري مثّل بداية نهاية “التوافق الأمريكي” حول دعم إسرائيل، وأظهر أن الرواية الفلسطينية لم تعد تُهمَّش كما في السابق.
أسهمت الحرب على غزة في توحيد طيف واسع من المعارضين، من اليسار إلى التيارات الليبرالية والشبابية. وسائل الإعلام الموالية لإسرائيل حاولت طمس الحقائق، فبررت القصف والمجازر باعتبارها جزءاً من “الحرب على الإرهاب”. لكنها فشلت أمام قوة الإعلام الرقمي الذي نقل للعالم مشاهد الدمار والنجاة، وجعل ملايين الأصوات الحرة تتحد لكشف زيف السردية الإسرائيلية.
يشير بارود إلى أن ما يُقلق إسرائيل أكثر هو فقدانها أحد أهم معاقل دعمها الداخلي في أمريكا: اليمين الإنجيلي والجمهوريون الشباب. فقد أظهر استطلاع لجامعة ميريلاند في أغسطس 2025 أن 24٪ فقط من الجمهوريين بين 18 و34 عاماً ما زالوا يتعاطفون مع إسرائيل، وهو انخفاض حاد مقارنة بالعقود الماضية. هذه الأرقام تشرح لماذا بدأ البيت الأبيض يرى أن استمرار دعم نتنياهو يشكّل عبئاً سياسياً.
تكشف تقارير إعلامية أمريكية أن إسرائيل حاولت مواجهة هذا التراجع عبر أساليب ملتوية، منها تمويل حملات تضليل إلكترونية على مواقع التواصل، دفعت فيها أموالاً طائلة لمؤثرين من أجل ترويج روايات كاذبة وتجميل صورتها. لكن هذه الجهود فشلت أمام سيل الحقائق المتدفقة من غزة، حيث أصبحت صور الأطفال الجوعى أقوى من أي دعاية سياسية.
يعتقد بارود أن محاولات إسرائيل لاستعادة تعاطف العالم محكوم عليها بالفشل. فالمجازر التي وثقتها الكاميرات في كل زاوية من غزة خلقت وعياً عالمياً غير قابل للمحو. العالم لم يعد يشتري رواية “الدفاع عن النفس”، ولا يفرّق بين القصف والتجويع والتهجير بوصفها جرائم لا يمكن تبريرها. اليوم، باتت القضية الفلسطينية تمثل رمزاً أخلاقياً للمقاومة ضد الاستعمار والعنصرية.
ويخلص الكاتب إلى أن هذه المرحلة قد تكون “المعركة الأخيرة” في حرب إسرائيل الدعائية. فمهما أنفقت من أموال، أو أطلقت من أفلام ومسلسلات لتلميع صورتها، لن تستطيع محو جريمة إبادة موثقة بالصوت والصورة، شهد عليها العالم بأسره. في المقابل، خرج الشعب الفلسطيني من تحت الركام أكثر قوة وإيماناً بقضيته، بينما فقدت إسرائيل آخر ما تبقى من تعاطف الغرب. وهكذا، يصبح قول ترامب لنتنياهو: “لا يمكنك أن تحارب العالم” ليس مجرد تحذير، بل نبوءة سياسية تتحقق أمام أعين الجميع.
https://www.middleeastmonitor.com/20251015-you-cannot-fight-the-world-the-hidden-meaning-behind-trumps-warning-to-israel/